سودانيون ينزحون 4 مرات بحثا عن الأمان

 

بعد أيام من اندلاع القتال في العاصمة السودانية في منتصف أبريل/نيسان 2023، تركت سناء الشيخ منزلها في ضاحية الكلاكلة بجنوب الخرطوم، وفرت مع أسرتها ووالدتها التسعينية جنوبا نحو مدينة “مدني” في وسط البلاد، لكن بعد وصول الحرب إلى مدني وموت ابنها الشاب بمرض الملاريا ودفنه هناك، اضطرت الشيخ للنزوح مرة أخرى لتدفن ابنتها الخريجة الجامعية في مدينة أخرى تبعد عن مقبرة أخيها بنحو 200 كيلومترا.
وتشير تقارير إلى أن أكثر من نصف النازحين السودانيين المقدر عددهم بنحو 11.3 مليون شخص، اضطروا للنزوح أكثر من مرة، وغير بعضهم وجهته 4 مرات بحثا عن الأمان مع الاتساع المتسارع لنطاق الحرب وانتشارها في 70 في المئة من مساحة البلاد.
ووصف توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أزمة النزوح السودانية بـ”الملحمية” والأسرع في العالم، حيث يجبر القتال ما متوسطه 20 ألف شخص يوميا على الانتقال إلى أماكن آمنة.
وفي ختام جولة استمرت أسبوعا زار فيها بورتسودان وعددا من معسكرات النازحين واللاجئين في غرب البلاد وفي داخل الأراضي التشادية، رسم فليتشر، صورة قاتمة عن أوضاع الفارين من الحرب.
وقال في بيان، الجمعة: “السودان في قبضة أزمة متعددة ملحمية، فهو يمر بأسوأ أزمة جوع في العالم، حيث يعاني 26 مليون شخص – أكثر من نصف سكان البلاد – من الجوع… سمعت قصصا عن الاغتصاب والعبودية الجنسية والعنف المروع ضد النساء والفتيات”.
وأشار المسؤول الأممي إلى ارتفاع كبير في معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وتزايد مستمر في حالات الإصابة بالكوليرا وحمى الضنك والملاريا.
وأوضح: “هذه الأرقام لا تشبه أي شيء رأيناه في السنوات الأخيرة، ومع ذلك فإن العالم لا يستجيب بالشكل المطلوب”.
يروي النازحون السودانيون قصصاً تدمي القلب عن حجم المأساة. وفي مقطع فيديو مؤثر، تقول سناء الشيخ: “أجبرنا القتال على تغيير وجهات نزوحنا ثلاث مرات، ودفنت ابني وبنتي في وجهتين مختلفتين بعيدتين عن بعضهما”.
وفي الواقع، تنحسر الملاذات الآمنة أمام المدنيين مع تزايد حالة عدم اليقين في المدن القليلة التي لا تزال خارج دائرة الحرب، والتي يتعرض بعضها لهجمات بالطائرات المسيرة، مما أدى إلى حالة من الرعب في أوساط السكان والنازحين.
ووفقا لسلمى أحمد، وهي نازحة وصلت إلى مدينة عطبرة في شمال الخرطوم بعد رحلة نزوح تكررت ثلاث مرات، فإن معاناة النازحين تتزايد والحلول تنحسر مع اتساع رقعة المناطق غير الآمنة.
وتقول أحمد لموقع “سكاي نيوز عربية”: “عندما اندلعت الحرب في الخرطوم كانت خيارات الفرار واسعة وتمكنت من الخروج مع أسرتي إلى مدينة واد مدني، لكن بعد وصول الاشتباكات إلى المدينة اضطررنا للنزوح إلى سنار قبل أن نسلك طريقا صعبا وطويلا للوصول إلى عطبرة في أبريل الماضي بعد اتساع رقعة الحرب وشمولها معظم مناطق وسط وجنوب شرق البلاد”.
وبنبرة فيها الكثير من الشعور بالمرارة والخوف، تقول أحمد: “منذ الأسبوع الثاني من نوفمبر بدأت الأوضاع الأمنية تتغير في مدينة عطبرة التي كانت وجهتي الثالثة في رحلة نزوحي مع أسرتي منذ بداية الحرب.. بدأ الكثير من النازحين مثلي يستعدون للبحث عن وجهة جديدة قبل أن تتطور الأمور إلى الأسوأ”.
وتضيف: “دائرة الحرب تتسع بسرعة وليس أمامنا أي خيار سوى الاستمرار في البحث عن الأمان مهما طالت رحلة النزوح وتعددت وجهاتها”.
تحت ضغط الأوضاع المعيشية السيئة في أماكن النزوح، اضطر عشرات الآلاف من سكان الخرطوم ومدن أخرى للعودة إلى بيوتهم لكنهم وجدوا أنفسهم مجبرين على الخروج مجددا.
وتسعى السلطات المحلية في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى متأثرة بالحرب لجذب السكان للعودة لكن نقص الخدمات واستمرار الاشتباكات – وإن كان بوتيرة أقل- إضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بالبيوت والبنيات التحتية كلها أسباب تعيق العودة الآمنة للفارين.
وفي الواقع، اضطر الكثير من الذين حاولوا التأقلم مع أوضاع الحرب للفرار مع اشتداد القتال وتدهور الأوضاع الغذائية والصحية.
وفي هذا السياق، يقول المحامي عثمان العاقب إنه ظل متمسكا بالبقاء في منزله بضاحية الحاج يوسف شرق العاصمة الخرطوم رغم ضراوة القتال، لكنه اضطر للمغادرة بعد 18 شهر من التمسك.
وأوضح”: “الأوضاع الصحية تتدهور بشكل متزايد والأمراض المعدية تنتشر في كل مكان وسط صعوبات كبيرة في الحصول على العلاج والغذاء اللازمين للمتعايشين مع الحرب”.
ويضيف: “حاولنا لفترة طويلة من الزمن الصبر والبقاء بالديار والتأقلم مع الحرب وظروفها القاسية، لكننا اضطررنا أخيرا للمغادرة بعد أن طال أمد الحرب وانتشرت معها الأمراض الفتاكة بسبب سوء التغذية”.
ويشير العاقب إلى أوضاع أمنية بالغة التعقيد في ظل ارتفاع معدل الجريمة واستمرار عمليات النهب المسلح وإطلاق النار والقصف العشوائي الذي يلحق أضرارا كبيرة بالسكان المتبقين ويضطرهم للخروج.(وكالات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *