الحرب تدمر البنية التحتية وتكلفة باهظة لإعادة الإعمار

تقف الجسور المدمرة وانقطاع التيار الكهربائي ومحطات المياه الخاوية والمستشفيات المنهوبة في جميع أنحاء السودان شاهدة على الأثر المدمر الذي لحق بالبنية التحتية جراء حرب ممتدة منذ عامين.
وتقدر السلطات أن هناك حاجة إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار غير أن الفرص تتضاءل أمام تحقيق ذلك على المدى القصير نظرا لاستمرار القتال وهجمات الطائرات المسيرة على محطات الطاقة والسدود ومستودعات الوقود.
وفي عالم صار أكثر عزوفا عن تقديم المساعدات الخارجية، خفضت الولايات المتحدة، أكبر المانحين، مساعداتها.
يخوض الجيش السوداني حربا مع قوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الألوف من الناس ونزوح نحو 13 مليونا في ما وصفته منظمات الإغاثة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ويضطر سكان العاصمة الخرطوم إلى تحمل انقطاع الكهرباء والمياه غير النظيفة والمستشفيات المكتظة لأسابيع طويلة. وتعرض مطار الخرطوم أيضا للهجوم وتجثم على مدارجه بقايا طائرات محترقة.
تعرضت معظم المباني الرئيسية في وسط الخرطوم لأضرار بالغة وصارت الأحياء، التي كانت ذات يوم راقية، مدن أشباح تنتشر في شوارعها سيارات مدمرة وقذائف لم تنفجر بعد.
وقال طارق أحمد (56 عاما) إن الخرطوم لم تعد صالحة للسكن بعد أن دمرتها الحرب، وعبر عن شعوره بأنه مشرد رغم عودة الجيش للسيطرة على الوضع.
عاد أحمد إلى منزله في العاصمة لفترة قصيرة حيث وجده منهوبا ثم غادره مرة أخرى، بعد أن طرد الجيش في الآونة الأخيرة قوات الدعم السريع من الخرطوم.
ويمكن رؤية إحدى تداعيات انهيار البنية التحتية في تفشي وباء الكوليرا السريع الذي أودى بحياة 172 من أصل 2729 مصابا خلال الأسبوع الماضي وحده، معظمهم في الخرطوم.
ودمرت الحرب أنحاء أخرى من وسط وغرب السودان، ومنها منطقة دارفور، غير أن الأضرار الواسعة التي لحقت بالخرطوم ألقت بظلالها على باقي أنحاء البلاد بعد أن كانت العاصمة ذات يوم مركزا لتقديم الخدمات.
* 300 مليار دولار للخرطوم
وتقدر السلطات السودانية احتياجات إعادة الإعمار بما يصل إلى 300 مليار دولار للخرطوم و700 مليار دولار لبقية السودان.
وتعكف الأمم المتحدة حاليا على إعداد تقديراتها الخاصة.
وقال وزير الطاقة والنفط محي الدين نعيم لرويترز إن إنتاج السودان من النفط انخفض إلى ما يزيد على النصف ليصل إلى 24 ألف برميل يوميا وتوقفت قدراته التكريرية بعد أن تعرضت مصفاة الجيلي الرئيسية لتكرير النفط لأضرار بقيمة ثلاثة مليارات دولار خلال المعارك.
وأضاف أن السودان، بدون قدرة على التكرير، يصدر كل نفطه الخام ويعتمد على الواردات في حين يبذل جهودا مضنية من أجل الحفاظ على خطوط الأنابيب التي يحتاجها جنوب السودان لصادراته.
واستهدفت طائرات مسيرة هذا الشهر مستودعات وقود ومطار بورتسودان .
وقال نعيم إن جميع محطات الكهرباء في الخرطوم تعرضت للتدمير.
وأعلنت شركة كهرباء السودان في الآونة الأخيرة خطة لزيادة الإمدادات من مصر إلى شمال السودان. وكانت قد ذكرت في وقت سابق من العام أن الهجمات المتكررة بالطائرات المسيرة على المحطات في محيط الخرطوم تستنزف قدرتها على الحفاظ على استمرار عمل الشبكة.
* نحاس منهوب
استعادت القوات الحكومية السيطرة على الخرطوم في وقت سابق من العام الجاري. ومع عودة السكان إلى منازلهم، وجدوا أنها قد تعرضت للنهب. ومن الأمور الملحوظة التي جرى رصدها هي وجود ثقوب عميقة في الجدران والطرق استخرج منها الناهبون الأسلاك النحاسية الثمينة.
*شق طوله أربعة كيلومترات
وفي شارع النيل بالسودان، الذي كان في يوم ما أكثر شوارع البلاد ازدحاما، يوجد شق في الأرض عمقه متر وطوله أربعة كيلومترات خال من الأسلاك الكهربائية فيما تظهر آثار حروق.
وذكر الطيب سعد الدين المتحدث باسم ولاية الخرطوم أن محطتي المياه الرئيسيتين في الخرطوم توقفتا عن العمل في بداية الحرب إذ نهب جنود قوات الدعم السريع الآلات واستخدموا زيت الوقود لتشغيل المركبات.
وبات من بقى في الخرطوم يلجأون إلى الشرب من مياه النيل أو الآبار القديمة، مما يعرضهم للأمراض المنقولة عبر المياه. كما أن عدد المستشفيات المجهزة لاستقبال المرضى قليل.
وقال هيثم محمد إبراهيم وزير الصحة إن المستشفيات تشهد أعمال تخريب ترتكبها فصائل مسلحة وإن المعدات الطبية تعرضت للنهب والتدمير، مضيفا أن خسائر النظام الصحي تقدر بنحو 11 مليار دولار.
وقال لوكا ريندا، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات لتفادي مزيد من حالات الطوارئ الإنسانية مثل تفشي الكوليرا، وذلك في وقت يتطلع فيه حوالي مليونين أو ثلاثة ملايين للعودة إلى الخرطوم.
لكن استمرار الحرب ومحدودية الميزانية يعرقلان وضع خطة شاملة لإعادة الإعمار.
وذكر ريندا “ما يمكننا فعله… بالقدرات المتاحة لدينا فعليا هو النظر في إعادة تأهيل البنية التحتية على نطاق صغير”، مثل مضخات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية والمستشفيات والمدارس.
وأضاف أن بهذه الطريقة، قد تُتيح الحرب فرصة لإلغاء مركزية الخدمات بعيدا عن الخرطوم، والسعي إلى مصادر طاقة أكثر استدامة. (رويترز)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *